عندما اختارت ابنة د. فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة الراحل العظيم دراسة الموسيقى بعد حصولها على المركز الأول فى الثانوية العامة منذ أكثر من عشرين عاماً، اعتبرها الجميع صدمة رهيبة وخدشاً لقدسية نظام الثانوية العامة الصارم وخروجاً على كل مألوف، وما زلت أتذكر أننى قرأت هذا الخبر بدهشة متخيلاً أن د. فؤاد زكريا من المؤكد أنه قد أصيب حينها بأزمة قلبية أو طرد ابنته من المنزل، وعندما قابلت ابن فيلسوفنا العظيم الراحل منذ عدة أسابيع وهو الأخ الأكبر لها، سألت د. مجد فؤاد زكريا أستاذ الأمراض العصبية أولاً عن صدق المعلومة، فأخبرنى بأنها بالفعل صحيحة أن شقيقته التى حصدت أعلى مجموع فى الثانوية العامة اختارت ببساطة ما تحبه وهو الموسيقى وأكملت مشوارها فيه وعاشت فى الخارج تمارس الموسيقى باستمتاع وحب، سألته ثانياً عن الأهم وهو إحساس الأب فؤاد زكريا بقرار ابنته الصادم من وجهة نظر المجتمع الذى استقر على الكليشيهات و«الإسطمبات»، أخبرنى د. مجد بأن والده استقبل اختيار الابنة بمنتهى الهدوء، بل وشجعها على عكس شقيقها الذى أخبرنى بأنه كان مصدوماً ورافضاً فى البداية بحكم العادة.

تذكرت هذه القصة عندما قرأت أن الحاصلة على المركز الثانى علمى ثانوية عامة ترفض دخول كلية الطب وستدخل كلية سياسة واقتصاد، أخيراً وبعد كل هذه السنوات خرجت طالبة عن النص المعد سلفاً، أخيراً فعلت طالبة ثانوى ما تحبه هى لا ما يحبه الناس والجيران والمجتمع، كنت أتمنى أن أسمع طالباً آخر من العشرة الأوائل يقول سألتحق بكلية العلوم لكى يحفز باقى الطابور على دعم هذه الكلية المهضوم حقها برغم أنها قاطرة التقدم فى مصر، وأعتقد أنه لا خروج من مأزقها الحضارى والتغلب على تخلفها إلا عندما تصعد كلية العلوم إلى القمة وتصبح كلية مرغوباً فيها لا مفروضة علينا حسب المجموع.

عزيزى طالب الثانوى قبل أن تكتب رغباتك فى مكتب التنسيق أو تملأ الاستمارة، اسأل نفسك يا ترى أنا باحب إيه؟ عايز ايه؟، مش أبويا وأمى بيحبوا إيه وعايزين إيه، حتى لو كان معهد سينما أو تربية رياضية إلخ، لا يوجد شىء اسمه استخسار مجموع، وصف كليات القمة وهم صنعناه نحن وصنم قدسناه نحن، التحق بكليتك لا كليتهم، حقق رغبتك أنت ولا ترتدى قناع الآخرين لتمثل به على نفسك، عش بملامحك أنت، بوجهك أنت، برغبتك أنت؛ لأنك الوحيد الذى ستعانى نتيجة اختياراتك الخاطئة طوال العمر.